التطور التاريخي لعلم البيومكانيك " وبعض المصطلحات "
* التطور التاريخي لعلم البيوميكانيك ( الميكانيكا الحيوية ) :
إن علم الميكانيكا الحيوية والذي هو تعريب المصطلح البيوميكانيك يعد في مقدمة العلوم التي اهتمت بدراسة حركة وسكون الأجسام باختلاف الأحجام والخصائص كما تناولت دراسة وتحليل الأداء الحركي الإنساني ضمن أطار العوامل البيولوجية و الفسيولوجية للمشاكل الحركية التشريحية والفيزيائية والنفسية من اجل الوصول الى انسب الحلول الميكانيكية المطروحة للبحث والدراسة وتقييم نتائجها باختلاف متطلبات الأداء الحركي للفعالية او المهارة المراد دراستها .
ومن أجل إيضاح هذا المعنى أو التداخل الحاصل في المعنى الاصطلاحي بين هذا العلم والعلوم الأخرى , لذا تمت مراعاة أن نتناول في هذا المبحث ما هية البيوميكانيك وتعريفاته وما جاء به أصحاب العقول العلمية من اضاءات علمية نيره للوقوف على أهمية هذا العلم ومجال استخدامه وتطبيقاته الميدانية .
سبق و أشار "أرسطو" إلى هذا العلم في مؤلفاته حيث تناول مركز ثقل الجسم ( CG ) وقوانين الروافع وتأثيرها على حركة الأجسام , حيث استخدم الإنسان منذ القدم قواه الذاتية والقوى الخارجية للتغلب على المقاومات فكان يستخدم قوى كبيرة للتغلب على مقاومة قليلة إلى أن خضعت الحركة إلى أسسها الميكانيكية فخفف مبدأ الاقتصاد بالجهد .
كما ساهم العالم والطبيب المعروف "جالين" في تطور علم التشريح وقد ميز بين الأعصاب والعضلات والذي برهن بأن الدفع الحركي ينتقل من المخ الى العضلات عن طريق الأعصاب حيث يؤثر في العضلات التي تنقبض بدورها وتسبب حدوث الحركة , وفي عام ( 1452 – 1519م ) قام العالم والفنان والمهندس الايطالي "ليونارد دافنشي" بدراسة تكوين جسم الإنسان على الجثث البشرية , وكان يقول أن الحركة سبب كل حياه , وقد اوجد فكره القصور الذاتي فكتب عنه تعريف القوة قائلاً : لا يستطيع أي جسم أن يتحرك من تلقاء نفسه وإنما تنشأ حركته عن شيء أخر وذلك الشيء هو القوة , وقد تناول" دافنشي" القانون الأول قبل "غاليلو" بأكثر من ( 100عام ) وقد توصل إلى القانون الثالث قبل" نيوتن" بحوالي 200 عام , أما بالنسبة للقانون الثاني فقد أخطأ ليونارد حيث جعل تناسب القوة مع السرعة نفسها بدلاً من معدل تغيرها مع الزمن .
وكان بوريللي طبيب وعالم رياضيات ايطالي اول من حدد عن طريق التجربة العملية موضح مركز ثقل الجسم للإنسان وقد ساهم في تطوير حركة الإنسان وقام بتطبيق المعادلات الرياضية في حل المشاكل الحركية وأوضح بأن العضلات تعمل وفقاً لمعادلات وقوانين ميكانيكية وطبيعية ويعد اول من وضع تدريبات للعلاج الطبيعي على أساس ميكانيكي .
وكان العالم اسحق نيوتن ( 1642 – 1727م ) علامة مضيئة من علامات تطوير البيوميكانيك بوضعة لقوانين الميكانيك الأساسية والتي تعد الأركان الأساسية لعلم البيوميكانيك . وفي منتصف القرن التاسع عشر قدم مجموعة من الباحثين الفرنسيين طرحاً جديداً لبحث الحركات وخاصة فيما يتعلق بالبحث في حركة المشي للإنسان ومن أهم هؤلاء الباحثين هو الباحث ماري ( 1880 ) والذي قام بابتكار التصوير واستخدامه في التحليل الحركي والذي لعب دوراً كبيراً في بحث الحركات وقد تم استخدامه في التقاط منفرد للأوضاع المختلفة أثناء الحركة وكذلك طور هذا الباحث التصوير المتتابع دائرياً ومن ثم بدأ المصور الأمريكي( ماي بريدج ) بإنجاز سلسلة صور للحركة وبعد المحاولات الأولى سارت الأبحاث في طريق التطوير ومحاولة أنتاج جهاز لتصوير الحركة بصورة مبسطة وقام ( ماي ) بأجراء البحوث الأولية للتصوير السينمائي وبدأت طليعة الأفلام الحديثة لتصوير حركات الإنسان وفي نفس الوقت تطورت طرق أخرى لتصوير الحركة حيث أستخدم هذا الباحث ماري عام ( 1882م ) جهاز لتصوير شكل الثقل في الهواء بعد قذفه . وقد أكتشف هو وتلميذه ( ديسمني ) طريقة التصوير الزمني وبهذه الطريقة يمكن التقاط صور لأجزاء الحركة منفردة في فترات زمنية متساوية وتمكنا بعد ذلك مراعاة عامل الزمن بالنسبة للحركة .
كما قام العالمان الألمانيان( برونه وفشر ) بأبحاث حول حركة سير الإنسان وقد استنبطا عن طريق أبحاثهما طريقة جديدة لتحديد مركز ثقل الجسم وقد قاما بتحديد مسار المسافة - الزمن للجسم بأكمله ولأجزاء الجسم كل على حدة بطريقة علمية وقاما بناء على ذلك بحساب مسار السرعة والتعجيل بالاعتماد على القانون الأساسي للديناميكا والذي ينص على أن ( القوة = الكتلة × التعجيل ) وقد تأثر تطور البيوميكانيك فيما بعد تأثيراً كبيراً بأهداف البحث ويلاحظ أن الواجبات التي كانت مطروحة في مجال البيوميكانيك قبل بداية القرن العشرين كانت تتعلق أولاً بطب العظام وعلم وظائف الأعضاء التطبيقي والصناعة ( حركة العمل المناسب للآلات والتي تسمى فن الحركة مع الاله ) .
ومن الواضح أن يقود تقدم المكننة الأوتوماتيكية في الانتاج الصناعي والزراعي تضاؤل الاهتمام بالميكانيكا الحيوية ( البيوميكانيك ) .
أما من جانب طب العظام فقد طرحت مشاكل وواجبات جديدة للحل بصفة دائمة مثال ذلك طريقة التوجيه الكهري البيولوجي للأطراف الصناعية .
وأدى التطور الحاصل في الأنواع المختلفة من الرياضيات إلى الاهتمام بتطوير علم البيوميكانيك وقد طورت الكثير من الدول المتقدمة بيوميكانيك الحركات الرياضية في أطار المناهج الرياضية مع ربطها كوحدة واحدة بعلم الحركة . (1)
و قد قام معهد لينيغراد للتربية البدنية لأول مرة سنة ( 1931 م ) وبناء على اقتراح العالم كوتنيكوفا بعقد دورة مستقلة ألقيت فيها مجموعة من المحاضرات تحت أسم " الميكانيكا الحيوية للحركات الرياضية " و بعد الحرب العالمية الثانية تطورت الميكانيكا الحيوية للحركات الرياضية في دول المعسكر الاشتراكي الأخرى ( كما تسمى سابقاً ) كعلم قائم بذاته , و قد عقد المؤتمر الدولي الأول حول المشكلات الأساسية للميكانيكا الحيوية للحركات الرياضية بمدينة لايبزك سنة ( 1960 م ) و لم تبدأ تلك المرحلة الأخيرة من مراحل هذا التطور في الدول الرأسمالية الا مؤخرا , و قد عقد المجلس الدولي للرياضة و التربية البدنية التابع لمنظمة اليونسكو دورته الدولية الأولى للميكانيكا الحيوية بمدينة زيورخ عام ( 1967 م ) و على الرغم من هذه المؤتمرات و الدورات ألا أنه بقيت المواقف و الاتجاهات العلمية في مجال الميكانيكا الحيوية لها وجهات نظر متباينة تبايناً كبيرا لم تتوافق في حقيقتها حول أهمية المدلولات المنطقية و العلمية لهذا العلم و عدم توصلها في أيجاد نظام علمي يلائم التطبيق العلمي للميكانيكا الحيوية , و قد تم التوجه على ضرورة قيام الميكانيكا الحيوية في المساعدة على أيجاد الإيضاحات اللازمة من خلال تحديد الظواهر الميكانيكية للعلاقات البيولوجية بشكل موضوعي , و على الرغم من اختلاف وجهات النظر حول طبيعة الميكانيكا الحيوية نشأ رأي داخل أوساط المهتمين بالميكانيكا الحيوية حول ضرورة توحيد علم التشريح , الميكانيكا ، الكيمياء الحيوية , علم وظائف الأعضاء , و علم النفس جميعا داخل الميكانيكا الحيوية , و هذا معناه أن الميكانيكا الحيوية تعد علما مركباً .
للاستاد: الدكتور دراجي عباس