دور وسائل الإعلام في المجتمع هام جدا إلى درجة خصصت الحكومات أقساما ودوائر ووزارات إعلام تتولى تحقيق أهداف داخلية وخارجية عن طريق تلك الوسائل، من تلك الأهداف رفع مستوى الجماهير ثقافيا، وتطوير أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، هذا داخليا.
أما خارجيا فمن أهداف دوائر الإعلام تعريف العالم بحضارة الشعوب ووجهات نظر الحكومات في المسائل الدولية.
ولم يقتصر اهتمام وسائل الحكومات بوسائل الإعلام، بل أن مؤسسات اجتماعية وسياسية واقتصادية اهتمت بها، ووجدت ان تلك الوسائل تخدمها وتخدم اهدافها وتساعد في ازدهارها.
وليس أدل على أهمية الإعلام ووسائله مما أصبح معروفا في العالم، من ان الدولة ذات الإعلام القوي تعتبر قوية وقادرة، فلقد أصبح الإعلام رئيسيا في بقاء بعض الدول وخاصة تلك التي وجدت فيه احدى دعاماتها الرئيسية الأولى، وقدمته على باقي دعائم الدولة.
وسبب كل ذلك هو ان وسائل الإعلام مؤثرة في الجماهير وفاعلة سلبا أو ايجابا؛ فما هي وظائف تلك الوسائل؟
للإعلام خمس وظائف رئيسية هي:
أولا: التوجيه وتكوين المواقف والاتجاهات:
من المتعارف عليه ان المدرسة تولى مهمة التوجيه، باعتبار ان الطالب يقضي قسما مهما من حياته فيها؛ لكن المجتمع بجميع مؤسساته الاسرية والعائلية والاجتماعية والدينية والاقتصادية له دور كبير في مجال التوجيه، وتكوين المواقف والاتجاهات الخاصة بكل فرد.
من هنا تتلاقى تلك المؤسسات مع المدرسة في مهمة التوجيه وتكوين المواقف والاتجاهات، خاصة وان المجتمع ليس كله طلابا، ولا يتاح عادة لكل افراد المجتمع دخول المدارس أو الاستمرار في الدرس والتحصيل.
وإذا كانت المدرسة تقوم بمهمتها تلك عن طريق الهيئة التعليمية والكتاب، فإن توجيه المجتمع يمارس بشكل مباشر وغير مباشر على السواء عن طريق وسائل الإعلام المنتشرة عادة، فكلما كانت المادة الإعلامية ملائمة للجمهور لغة ومحتوى، ازداد تأثيرها، فلا يعقل مثلا ان تخاطب الذين لا يجيدون اللغة العربية باللغة الفصحى، ولا الذين ليس لديهم مستوى ثقافي معين بالمنطق وعلم الكلام والحجج الفكرية والفلسفية.
ثانيا: زيادة الثقافة والمعلومات:
التثقيف العام هدفه هو زيادة ثقافة الفرد بواسطة وسائل الإعلام وليس بالطرق والوسائل الاكاديمية التلعيمية، والتثقيف العام يحدث في الإطار الاجتماعي للفرد أكان ذلك بشكل عفوي وعارض أو بشكل مخطط ومبرمج ومقصود.
والتثقيف العفوي هو مواجهة دائمة من جانب وسائل الإعلام للفرد، هذه المواجهة تقدم له ـ بدون أن يكون هو المقصود بالذات ـ معلومات وافكار وصور وآراء، وهذا يحدث عندما يتجول الطالب في ساحة ملعب جامعته فيفاجأ بجريد حائط أو بتلفزيون نادي الجامعة أو باللافتات المرفوعة في أماكن من الجامعة، وكلها تحمل عبارات تلفت نظره، فيندفع في قراءتها أو متابعتها فتعلق بعض الكلمات في ذهنه ويأخذ ببعض الآراء.
أما التثقيف المخطط فهو حصيلة وظيفتي التوجيه والتبشير؛ لكن هناك بعض الحالات تقع في دائرة التثقيف المخطط كالبرامج الزراعية التي هي عبارة عن حلقات ارشاد للمزارعين يدعون إليها أو تبث إليهم عبر الاذاعة أو التلفزيون.
ثالثا: الاتصال الاجتماعي والعلاقات البينية:
ويعرف الاتصال الاجتماعي عادة بالاحتكاك المتبادل بين الأفراد بعضهم مع بعض، هذا الاحتكاك هو نوع من التعارف الاجتماعي يتم عن طريق وسائل الإعلام التي تتولى تعميق الصلات الاجتماعية وتنميتها.
فعندما تقدم الصحف كل يوم اخبارا اجتماعية عن الأفراد او الجماعات او المؤسسات الاجتماعية والثقافية فإنها بذلك تكون صلة وصل يومية تنقل أخبار الافراح من مواليد وزيجات، وأخبار الاحزان من وفيات وفشل وخسارة، وليست صفحة الولادات والوفيات والشكر بصفحة عابرة وغير مهمة في الصحف، بل انها وسيلة للاتصال الاجتماعي اليومي بين جميع فئات الجماهير.
وأمر ثان هو قيام وسائل الإعلام كلها تقريبا بتعريف الناس ببعض الاشخاص البارزين أو الذين هم في طريق الشهرة سواء في مجال السياسة او الفن او المجتمع او الادب.
رابعا: الترفيه عن الجمهور وتسليته:
وتقوم وسائل الإعلام بما تقوم به من وظائف بمهمة ملء أوقات الفراغ عند الجمهور بما هو مسل ومرفه؛ وهذا يتوقف بواسطة الابواب المسلية في الصحف أو كالبرامج الكوميدية في التلفزيون.
في الحالتين تأخذ وسائل الإعلام في اعتبارها مبدأ واضحا وهو ان برامج الترفيه والتسلية ضرورية لراحة الجمهور ولجذبه اليها؛ وحتى في مجال الترفيه هناك برامج وابواب ترفيه موجه يمكن عن طريقها الدعوة إلى بعض المواقف ودعم بعض الاتجاهات او تحويرها وحتى تغييرها، وهذا يتطلب بالطبع اساليب مناسبة من جانب وسائل الإعلام.
خامسا: الاعلان والدعاية:
تقوم وسائل الإعلام بوظيفة الاعلان عن السلع الجديدة التي تهم المواطنين، كما تقوم بدور هام في حقول العمل والتجارة عندما تتولى الاعلان عن وجود وظائف شاغرة او وجود موظفين مستعدين للعمل ، او عندما تتولى الاعلان عن اجراء مناقصة او وضع التزام موضع التنفيذ…الخ.
ولهذا استطاعت وسائل الإعلام على تنوعها من صحافة وتلفزيون وسينما وأحيانا إذاعة، أمام تعقيد الحياة وتعدد ما فيها من اختراعات وصناعات واكتشافات ان تقوم بمهمة التعريف بما هو جديد وتقديمه إلى الجمهور وعرض فوائده واسعاره وحسناته بشكل عام.
هذه هي الوظائف الاجتماعية لوسائل الإعلام ، وهي وان جرى حصرها في خمس وظائف، لكن تبقى هناك مهمات تفصيلية أيضا لوسائل الإعلام تندرج تحت هذه الوظائف، فوسائل الإعلام في الواقع أصبحت تقوم مقام المعلم والمربي وحتى الاب والام في حالات كثيرة، فالبرامج التربوية والمدرسية وبرامج الاطفال وبرامج الطلاب وغيرها من برامج تبثها وسائل الإعلام انما تلتقي بوظيفة التثقيف ، لكنها تتعدى تلك الوظيفة إلى ما هو اعمق وأعم واشمل، إلى درجة يمكن القول معها ان الفرد يولد وينمو قليلا حتى تتولاه وسائل الإعلام وترعاه وتقدم إليه ما يلزم من تثقيف وتوجيه وترفيه واعلان وغير ذلك، وأحيانا تقدم إليه ما يسيء إلى نمو شخصيته وآرائه، فتنحرف بها او تشوهها.
*ومن بين التأثيرات التي تحدثها الوسائل الإعلامية على المتلقي (المجتمع):
1- تغير الموقف و الإتجاه : حيث يغير المرء موقفه من قضية ما بناءً على المعلومات التي توفرها هذه الوسائل للإنسان المتلقي منها ، ومن خلال هذه الرسائل الإعلامية يبقى الإعلام العامل الرئيسي في عملية تغير الموقف و الإتجاه ، سواء على مستوى الأشخاص أو القضايا أو على مستوى القيم و السلوك .
2- التغير المعرفي : إذ تؤثر وسائل الإعلام في التكوين المعرفي للأفراد من خلال التعرض الطويل لوسائل الإعلام كمصدر موثوق للمعلومات ، فتقوم بتوجيه متناغم حسب الإتجاه الذي تريده ، فتغير في أسلوب المرء و طريقة تفكيره و قناعاته لأن القناعات حصيلة المعرفة المكتسبة .
3- التنشئة الإجتماعية : ذلك أن كل ما نسمعه أو نراه أو نقرأه لا يخلو من هدف بل هو مشحون بالقيم ، وهذا هو الذي يعرف عنه ( بالتنشئة الإجتماعية ) ، فيُعمل على تلقين المُستقبل مجموعة من المعارف لتشكيل الهوية الثقافية ، فالتعرض المستمر للرسائل الإعلامية المشحونة بالقيم ، إذ تُعرض بقوالب جذابة تسمح لها بالتسلل إلى اللاشعور لتشكل اتجاهاً معيناً – دون وعي كامل من المتلقي – فليس هنالك أخبار محايدة ولا ترفيه بريء ! بل كلٌ يحمل في طياته وبين سطوره كثيراً جداً من القيم الخفية التي يراد ترويجها إلا أنها لا تُقبل في العلن بل تقابل بالرفض ، فيُلجئ إلى هذا الأسلوب المغلف ، ليظهر أثر هذه القيم على المتلقي عبر المدى البعيد .
4- الإثارة الجماعية : حيث تعمد الوسائل الإعلامية على إثارة الجماهير و تحريكها لتتكيف مع ظرف ما ، و أنجح ما يكون مثل هذا الأسلوب في أوقات الأزمات و الكوارث ، فينتج عنه تحرك الجماهير و استنفارها لتحقيق هدف معين .
5- الإستثارة العاطفية : للعواطف نفوذ قوي يسيطر على سلوك الإنسان ، وقد منح هذا الأمر فرصة كبيرة للإعلام للتأثير على عواطف المُستقبل للمواد الإعلامية ، ليؤثر ذلك على سلوك الإنسان و توجهه ، وكذلك تعمل وسائل الإعلام على استثارة الغرائز لدى الجمهور مؤثرة بذلك على مشاعره و طبيعة شخصيته .
6- الضبط الإجتماعي : يتجلى دور وسائل الإعلام في عملية الضبط الجماعي من خلال قيامها بتوحيد الناس على ثقافة واحدة يصبح الخروج عنها أمراً صعباً ، حيث تصبح مع مرور الوقت عرفاً و تصبح جزءاً من ثقافة المجتمع ، حيث أصبحت وسائل الإعلام هي التي تحدد للناس ما يصلح وما لا يصلح من خلال الإعلان عن آراء معينة ، و التكتيم على أخرى ، فيخلق ذلك عند الناس ما يشبه العرف الذي يُقبل ويتّبع ويُحذر من مخالفته .
7- صياغة الواقع : تؤثر وسائل الإعلام من هذا الباب عبر قيامها بعرض جزء صغير من حقيقة الواقع ، ليبقى في أذهان الجمهور على أنه هو الواقع الحقيقي الكامل !! ، وبذلك تعمل على صياغة الواقع حسب الرؤية التي تريدها ، وتعمل أيضاً على صياغة نمط حياة من صنعها لتقدمه للناس على أنه هو الواقع المثالي ، و توحي للجمهور بتقليده عبر نشر صورته الإيجابية الجميلة فقط !! فتختزل كل تفاصيل الحقيقة في هذا الجزء الصغير الذي تم عرضه فقط .
8- تكريس الأمر الواقع : فبعكس النقطة السابقة قد تعمل وسائل الإعلام على تزكية ما هو قائم و تكريس ما هو موجود ، فتجعل الجمهور يقبله دون نقاش ، فإقرار الأمر الواقع و تبريره و تقديم المسوّغ له من قبل وسائل الإعلام يعمل على صنع رأي عام شبه موحّد ، فلا يمكن لأي شخص أن يثير تساؤلاً حول صحة ما يجري .