ممارسة النشاط البدني: قبل الأكل أم بعده؟؟
لا شك أن كثير من الرياضيين والممارسين للنشاط البدني بشكل عام يتساءلون هل من الأفضل لهم الأكل بعد تدريب بدني شاق، أم ممارسة النشاط البدني بعد تناول وجبة الأكل مباشرة؟
ثم ما هل ممارسة النشاط البدني تؤثر على عمليات هضم الطعام أم لا ؟
على الرغم من أن نصائحنا عامة تقضي دائماً بأن يمارس كل من الرياضي والممارس العادي نشاطه البدني بعد حوالي ساعتين إلى ثلاث ساعات من تناول وجبة الأكل، خاصة إذا كان التدريب البدني عنيفاً، إلا أن بعض الممارسين قد لا يجد الوقت الكافي بعد تناول وجبته الغذائية لكي ينتظر من ساعتين إلى ثلاث ساعات ثم يمارس تمريناته الاعتيادية، خاصة في الصباح الباكر. وبالتالي فعليه إما ممارسة التدريب ثم تناول وجبة الأكل، أو تناول وجبة الأكل ثم ممارسة التدريب البدني.
فيا ترى ما هي التأثيرات الفسيولوجية للتدريب البدني قبل الأكل أم بعده، وأيهما أفضل؟
التدريب قبل الأكل:
ينبغي أن نشير أولاً إلى أنه باستثناء أن يكون الممارس مصاباً بمرض السكري من النوع الذي يعتمد فيه المريض على الأنسولين، وبالتالي هناك احتمال أن يكون مستوى السكر في الدم منخفضاً، فليس هناك خطورة تذكر من جراء ممارسة التدريب قبل الأكل. غير أنه يجدر التنويه أيضاً إلى أن الرياضي الذي سيتدرب لفترة طويلة ينبغي أن يكون مخزون عضلاته من مركب الجليكوجين ليس منخفضاً (الجليكوجين مركب كربوهيدراتي مكون من سلسلة من الجلوكوز يخزن في العضلات ويستخدم كوقود لتزويد العضلات بالطاقة، ويأتي من المواد السكرية والنشوية في الطعام)، وعليه فإن عدم الأكل (خاصة المواد النشوية والسكرية) لفترة طويلة يؤدي إلى انخفاض مخزون العضلات من الجليكوجين، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض قدرة الشخص على أداء جهداً بدنياً مرتفع الشدة لفترة طويلة.
إن من فوائد الأكل بعد ممارسة التدريب هو قيام الجسم باستخدام بعض المواد الكربوهيدراتية الموجودة في الطعام المتناول وتحويلها إلى جليكوجين في العضلات، تعويضاً عن الجلايكوجين المستعمل أثناء ممارسة النشاط البدني. أما في حالة تناول الشخص لوجبة الأكل بدون أن يسبقها ممارسة للنشاط البدني، فإن الجسم سيقوم بتحويل معظم المواد الكربوهيدراتية الزائدة عن الحاجة إلى شحوم تخزن في الجسم. ويجدر أن نشير في هذا الصدد إلى أهمية التغذية الكربوهيدراتية (تناول الغذاء الغني بالمواد النشوية والسكرية) للرياضيين في الساعات الأولى التي تلي التوقف عن التدريب البدني، نظراً لأنها الساعات التي تكون عمليات شحن وتخزين العضلات بالجليكوجين في أشد صورها.
ومن الفوائد الأخرى لممارسة التدريب البدني قبل الأكل، خاصة للذين ينشدون خفض أوزانهم، أن بعض الدراسات العلمية تشير إلى أن التدريب البدني (خاصة العنيف) يقود إلى كبح الشهية لدى الشخص لمدة قد تصل إلى نصف ساعة بعد التوقف عن التدريب، ويعتقد أن لارتفاع درجة حرارة الجسم الناجم عن الممارسة دور في ذلك الكبح.
التدريب بعد الأكل:
قد يضطر البعض منا إلى بدء ممارسة النشاط البدني بعد وجبة الأكل بفترة قصيرة جداً، نظراً لعدم إمكانية الانتظار لمدة ساعتين أو ثلاث، كما توصي به التعليمات العامة في هذا الشأن.
فهل من خطورة صحية من جراء ذلك؟
لا بد من الإشارة أولاً إلى أن جزء ملحوظ من الدم في الجسم يتوجه إلى المعدة والأمعاء بعد الأكل مباشرة، من أجل عمليات الهضم ومن ثم الامتصاص. لذا فإن كل من الجهاز الهضمي والجهاز العضلي سيتنافسان على الدم الصادر من القلب، وبالتالي ستصبح عمليات الهضم أبطأ، كما أن العضلات ستتأثر هي أيضاً. غير أن ممارسة نشاطاً بدنياً خفيفاً كالمشي بعد وجبة معتدلة ليس فيه ضرر أو خطورة على الإنسان السليم الذي لا يعاني من مشكلة قصور في الدورة الدموية للقلب. بل يعتقد أن ممارسة نشاطاً بدنياً خفيفاً كالمشي بعد تناول وجبة معتدلة من الأكل يساعد على زيادة حرق السعرات الحرارية من قبل الجسم، أي يساهم في صرف طاقة حرارية إضافية من جراء هضم الطعام تقدر بحوالي 15% مقارنة في حالة لو جلس الشخص بعد الأكل بدون نشاط.
لكن ماذا لو تناول الشخص وجبة غذائية دسمة وغنية بالسعرات الحرارية. كم ينبغي عليه الانتظار قبل ممارسة نشاط بدني معتدل إلى مرتفع الشدة؟ يعتمد الأمر على كمية الطعام ومدى احتوائه على كميات من الدهون، فمن المعلوم أن الطعام المتناول يذهب إلى المعدة أولاً، حيث تتم عمليات الهضم هناك من خلال حركية المعدة وإفراز أنزيمات الهضم على الطعام المتناول. ثم يتم بعد ذلك تفريع الطعام من المعدة إلى الأمعاء الدقيقة حيث يتم في الأمعاء ما يعادل 85% من عمليات الامتصاص للطعام المهضوم.
وتعتمد عملية تفريع المعدة على عدة عوامل من أهمها كمية السعرات الحرارية التي يحتويها الطعام المتناول، لذلك تستغرق الدهون وقتاً أطول في تفريغها من المعدة مقارنة بالمواد الكربوهيدراتية، نظراً لاحتواء كل جرام من الدهون على 9 كيلو سعرات حرارية، بينما تحتوي الكربوهيدرات على 4 كيلو سعرات حرارية. وتشير البحوث العلمية إلى أن ممارسة نشاط بدني معتدل إلى مرتفع الشدة يقود إلى إبطاء تفريغ المعدة من الطعام، بينما ممارسة نشاط بدني خفيف، مثل المشي البطيء، ليس لها تأثير ملحوظ على سرعة التفريغ.
غير أن اللياقة البدنية للشخص تعد أيضاً عامل مؤثر في عملية تفريغ الطعام من المعدة، فالشخص ذو اللياقة البدنية المرتفعة يمكنه القيام بنشاط بدني معتدل الشدة بدون أن يكون هناك تأثير ملحوظ على سرعة عملية تفريغ الطعام من المعدة. وللإجابة على السؤال المطروح في بداية الفقرة نقول: أنه بعد وجبة دسمة، على الشخص الانتظار من ساعتين إلى ثلاث ساعات قبل ممارسة نشاط بدني، خاصة مرتفع الشدة.