المشجع الرياضي الجزائري بين القرارات الجديدة للفيفا والتقاليد لعربية والإسلامية
يعتبر الترويح عن النفس بالتشجيع الرياضي من الأمــور الـمـهـمـة في حياة بعض الناس ، إلا أن البعض أفرط في هذا الباب ، حتى أصبح نتاج هذا الإفراط له أثر في الفكر والحياة ، والجاد في حياته هو الذي لا يتعارض مع مواعيده وأفكاره وخيالاته شيئا من اهتمامات متابعة المباريات ، لأن الوقت عنده أنفس ما يملك ، واهتماماته وتطلعاته لا يمكن أن يصرفها صارف ، فهو يتميز بفقه مجرد من الهوى وهو فقه الأولويات ، فلا يمكن البتَّة أن تتعارض مباراة ما مع أمرا دعويا ، أو موعدا مهما ، أو وقتا مجدولا ، أو عملا منتجا لأنه إنسانا يتميز بالجدية .
إن الواقع الملموس من بعض أفراد المجتمع هو الاهتمام بمتابعة المباريات والإفراط في التشجيع ، وهذا لا نريد أن يكون مندوحة للجادين في أن يحذو حذوهم في التعصب والاهتمام ، وقد تكون أيها القارئ من خلال قراءتك تتساءل عن عدم جدوى ذلك بسبب أن التشجيع ليس فيه شيء ولعل لسان حالك يقول ( لماذا كل هذا ؟ ) الأمر ليس إلا ساعة ونصف تقريبا ثم يقضى كل شيء ..
إن كان هذا تساؤلك فاحترم هذا التساؤل، لكن المسلم الذي له قيم وأهداف وأبعاد ، لا يعيقه مثل هذا لأن اهتمامه بوقته يتمخض عن تلك القيم التي ذابت في وجدانه بشكل تلقائي دون شطط
إن تكوين المسلم لنفسه وتربيتها على المعاني الإسلامية وتأطيرها على معالي الأمور ينعكس ذلك على تفكيره وتصوره وتطلعاته ، فإذا قال الإنسان بأن متابعة الرياضة بجميع صورها والاهتمام بها لا تؤثر على وقته وتطلعاته وتفكيره فالقول هذا مداعبة قولا أعرج!!
لأن الملموس من الذين أفرطوا في متابعة الرياضة تغيرت أشياء كثيرة في حياتهم ، فبدلا من أن يشتري مجلة ثقافة تربوية اجتماعية علمية ، يشتري مجلة رياضية!
وبدلا من أن يتابع الأحداث والأخبار على صحيفة يومية ، نجده يشتري صحيفة رياضية أو ينتقل مباشرة لقسم الرياضة إن أخذ صحيفة عامة!
وبدلا من أن يكتب ويرد وينمي قوته في البحث والإطلاع والرد والكتابة ، يكون كاتبا ومميزا في منتدى رياضي!
ومن الناس من اشترى أجهزة استقبال خاصة للقنوات التي تبث الرياضة ، حتى فقد متابعة البرامج الهامة والهادفة في باقي القنوات الفضائية!
من لا يملك نفسه سيفقد زمامها ، وسيجد بأن مشاهدة مباراة أهم من برنامج دعوي ، أو حضور حلقة علم ، أو انجاز أمر مهم ، وسيجد بأنه سيملك زخما ثقافيا رياضيا بدلا من ثقافات رائدة أخرى .
إن من الشباب من فتح على نفسه مجال المتابعة والتشجيع حتى وصل ذلك إلى الاهتمام بأخبار النادي واللاعبين وتاريخهم ، وربما اقتنى صور اللاعبين ، حتى استولت المتابعة على مشاعره وتفكيره ، وصرف المشاعر والعواطف والمتابعة للقضايا الرياضية إهدار لثروة هائلة ينبغي أن تصرف في مورد مفيد يعود على الفرد بالنفع والفائدة ، فالشاب الطموح صاحب الهمة العالية حينما يعيش مشاعر الحزن والقلق والتفكير في مباراة ما ، فإن هذا مؤشر على ضعف الطموح وتدني مستوى الهمة بسبب معايشته واهتماماته التي لا تناسب ما يطمح إليه..
فإذا كان من حق المشجع الجزائري أن يؤازر فريقه فللسلام الوطني آدابه و احترامه و هذا الحديث موجه إلى كافة المشجعين خاصة المشجع المصري حتى لا يقع في الفخ نفسه عندما يستضيف المنتخب المصري شقيقه الجزائري في القاهرة .
وعلى الرغم من الدقائق القليلة التي ظهر بها المشجع الجزائري بشكل سلبي تمثل في رفع صافراته على صوت السلام الوطني إلا أن الجميع يشهد له بالالتزام والتشجيع المثالي طيلة المباراة .
فقد يأخذنا الحديث عن فن التشجيع باعتباره سلاح ذي حدين فهو عامل مهم من عوامل التحفيز للفريق، وقد يستخدم بشكل سلبي من الممكن ان يتسبب في أزمات رياضية قد تتطور لتصبح خلافات سياسية.
هذا ما حدث في المباراة الودية التي دارت بين المنتخب الوطني الإماراتي و نظيره الألماني في دبي الأسبوع الماضي عندما ظهرت على شاشات التلفاز مشجعات ألمانيات يحملن لافته باللغة الألمانية قام بترجمتها مذيع بإحدى القنوات الفضائية بطريقة خاطئة حيث قال أن معناها (( الموت لدبي )) إذ تبين بعدها أن العبارة الألمانية ترجمتها الصحيحة عبارة عند رسالة ترحيبية للأمهات في مدينة دبي التي إستضافت المباراة .
فقد كان من الممكن أن يتسبب الجمهور بشكل غير مباشر في إحداث أزمة بين بلدين ... و عتابي هنا أيضًا على المذيع الذي تطوع و استخدم مهاراته اللغوية في الترجمة من الألمانية إلى العربية ليكتشف بعد ذلك فشله في اللغة ... فقد كان من الأيسر عليه أن يتبع المقولة الشهيرة ( من قال لا اعلم فقد أفتى )
منذ نشأة كرة القدم في العالم كانت هذه الرياضة فن استعراضي يقدمه اللاعبون للجماهير لتمكينهم من نسيان متاعبهم وأعمالهم اليومية ولكن مع مرور الوقت تغير الوضع وأصبح المشجعون أكثر تحمسا لطريقة الاستعراض بالمدرجات من المستطيل الأخضر ولأجل ذلك اهتم الاتحاد الدولي خاصة بمجيء الرئيس الحالي سيف بلاتير بكل ما يحيط بالمساحة المخصصة للاعبين (الميدان) ولذلك قامت الفيفا باتخاذ إجراءات عديدة تحت غطاء ما يسمي "تحقيق الأمن والفرجة لكل الحاضرين" ومن أجل ذلك شرعت الهيئة الدولية لكرة القدم بتطبيق بعض قراراتها ميدانيا في كل أنحاء العالم منها منع رفع الشعارات السياسية داخل الملعب – نزول الجماهير إلي أرض الملعب- إلقاء المقذوفات النارية (الفيميجان) – وتشجيع العائلات وخصوصا المرأة علي دخول الملعب في ظروف أمنية كبيرة. ولأجل كل ذلك توجب علينا مناقشة كل هذه القرارات الفيفية وتأثيرها علي ذهنية المشجع الجزائري بشكل خاص والمواطن الجزائري بشكل عام وبالتالي سندرس هذه الإجراءات خطوة بخطوة والله المستعان
جميعنا يعلم أن أغلب الملاعب الرياضية العربية والإسلامية تعد متنفسا للسياسيين للتأثير علي الجماهير بهذه الدول حيث أننا نشاهد الرئيس الإيراني يخاطب جماهيره داخل الملعب الكبير بطهران وفي سوريا كل الشعارات تمجد الرئيس السوري الحالي بشار الأسد .
أما في مصر فأغلب ملاعب الجمهورية توجد بها صورة عملاقة للرئيس المصري حسني مبارك ولا يختلف ذلك كثيرا عن بلادنا أين يستعمل السياسيون في بلادنا الهياكل الرياضية والملاعب الوطنية لتسريب برامجهم السياسية قبل وخلال الحملات الانتخابية قصد التأثير علي المواطن وكسب ثقته خاصة الجمهور الرياضي العريض الموجود ببلادنا. وبما أن مسييري أنديتنا متعطشون إلي أموال السياسيون ومساعدات الدولة فإنهم سريعا ما يغوصون في بحر السياسة لتحقيق بعض المصالح الشخصية والرياضية.
صحيح قد يكون ذلك سلبي من جهة إلا أنه يسمح للجماهير من التلاحم بسبب تحالفهم الرياضي والسياسي مما يجعل بلدنا أكثر استقرارا من الجانب السياسي والأمني.
وهو ما تفطنت له الدول الغربية وألزمت الفيفا علي منع السياسة داخل الملاعب لأن ذلك لا يخدم مصالحها داخل البلدان العربية فالغربيون يفضلون بلداننا مشتتة وجماهيرنا متفرقة ليتمكنوا من تسريب سمومهم بيننا.
والدليل علي ذلك منع الاتحاد الدولي بعض الأمور الدينية كسجود اللاعبين داخل الميدان بعد تسجيلهم لهدف وهو ما يحرك شعور الجماهير العربية والمسلمة ويجعلهم يفتخرون بانتمائهم الإسلامي وهو كذلك شيء مرفوض عند الغربيون
من جهة أخري كذلك قام الاتحاد الدولي لكرة القدم بمنع إدخال الألعاب النارية إلي الملاعب العالمية وذلك لمنع أعمال الشغب وتفشي العنف داخل هذه الأماكن الرياضية وبالتالي فرضت الفيفا عقوبات جد قاسية ضد المتجاوزين لقرار الهيئة الكروية العالمية .
وبما أن الجمهور الجزائري من عشاق هذه الألعاب النارية والفيميجان كما يسمي عندنا فلقد تم معاقبة الاتحاد الجزائري بغرامة مالية تقدر ب 20 ألف دولار مع تقديم إنذار في حال حدوث أعمال مماثلة للتي وقعت في مباراة المنتخب الجزائري وشقيقه المصري بملعب البليدة (في إطار التصفيات الإفريقية المؤهلة إلى كأسي إفريقيا والعالم 2010 ).
تأتي هذه العقوبات ضد الجزائر تحت غطاء محاربة العنف بالملاعب لكنها في الواقع ترمي إلي تحطيم اعتزاز الشباب الجزائري بقوته وطريقة تشجيعه الفريدة من نوعها علي الصعيد العالمي حتى يصبح متفرج بدلا من مشجع غيور علي وطنه محب لبلده وبالتالي تحقيق الهدف الغربي الرامي إلي ضرب العزة والكرامة الجزائريتان.
لأن لو كان القصد محاربة العنف لكان أولا معاقبة الملاعب الجنوب الأمريكية وبالأخص الأرجنتينية أين تستعمل الجماهير الأسلحة الحقيقية ضد اللاعبين والحكام أو كان أولا معاقبة الملاعب الايطالية أين تستعمل الألعاب النارية (أين تستعمل الألعاب النارية بكثرة) التي تبعد ببعض الكيلومترات فقط عن هيئة سيف بلاتير (الفيفا بسويسرا).
ونفس الشيء نقوله عن الأشقاء المصريين الذين يهللون لدي الفيفا لمعاقبة الجزائر بسبب الفيميجان وتناسيهم لحادثة الطوبة الشهيرة بمصر أين قام الجمهور المصري في سنة 1994 (خلال مباراة المنتخب المصري بنظيره الزيمبابوي في إطار تصفيات كاس العالم الإفريقية) بقذف حجر من المدرجات مما أدي لشج في رأس مدرب الزيمبابوي الألماني فابسيتس مما أجبر الفيفا علي إعادة اللقاء بمدينة ليون الفرنسية وكلف ذلك منتخب الفراعنة الإقصاء من التصفيات.
ومن أجل ذلك نؤكد أن الفيميجان ليس السبب في العنف فبالإمكان أن نعوض هذه الألعاب النارية بالطوبة كما فعل المصريون لذلك نقول أن الوسيلة الوحيدة لمحاربة العنف هي توعية المشجعين
من جهة أخري ومن بين الإجراءات التي أقرتها الفيفا تخصيص أماكن للعائلات لحضور المباريات وبالأخص تشجيع المرأة علي دخول الملعب وهو ما بادرت إليه إدارة مركب 5 جويلية بالجزائر العاصمة التي خصصت أماكن خاصة للعائلات وسمحت بدخول النساء مجانا لمشاهدة المباريات وذلك انطلاقا من مواجهة المنتخب الجزائري القادمة (ضد الاوروغواي).
والأكيد من الأمر أن هذا التغير الجديد والقرار المفاجئ لإدارة الملعب الأولمبي 5 جويلية هدفه التفتح أكثر نحو الثقافة الغربية والتنكر لتقاليد المجتمع الجزائري المحافظ وبالتالي إرضاء رغبات الغربيون في أن الجزائر بلد متحضر ومتفتح لأنه تخلص من ذهنيته المحافظة القديمة.
وبذلك ستصبح المرأة الجزائرية متواجدة بقوة في الملاعب الجزائرية وذلك رغم رفض المجتمع الجزائري حاليا في انتظار تقبله الأمر في السنوات القادمة لأن التغيير سيكون تدريجي مثلما حدث في بعض الدول الشقيقة المجاورة كالمغرب- تونس-مصر...في انتظار إجبار دول أخري علي القيام به لاحقا
ولعل من القرارات المفاجئة كذلك والصادرة من الفيفا هو السماح للاعبين المزدوجي الجنسية اللعب لبلدانهم الأصلية ويدخل في هذا الإطار اللاعبين الجزائريين المغتربين المقيمين في الخارج وبفرنسا علي وجه الخصوص حيث وبالرغم من رفض رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الفرنسي ميشال بلاتيني للقرار وكذا تهجم مدرب منتخب الديكة دومينيك علي هذا الإجراء إلا أن الفيفا حكمت لصالح البلدان الأصلية للاعبين وكذا لصالح السيد راوراوة الذي دافع عن هذا الملف في محكمة الاتحاد الدولي بسويسرا.
والغريب في الأمر هو إنصاف الجزائر ضد الرفض الفرنسي وهو ما يؤكد ما تسعي إليه الفيفا والدول الغربية المتحالفة حيث أنهم يسعون إلي إدخال الأخلاق والتربية الغربية بين المجتمع الجزائري من خلال احتكاكه بالمغتربين الذين تربوا علي التراب الفرنسي وتعلموا الأخلاق الغربية المتفتحة.
فبعد فشل خطة الدفعة الأولي كزياني-بوغزة وبلحاج الذين تعلقوا بالجزائر وحنوا إلي أخلاق بلدهم الأصلي ودينهم الحنيف ستأتين دفعة أخري بلاعبين آخرين أكثر تعلقا بالأفكار الغربية علي غرار حسان يبدة بصبغة شعره و لحسن من أم ايطالية والمطالبة بالتحاق لاعبين يحملون أسماء غربية.
يأتي كل ذلك بعد الليونة الكبيرة التي أظهرها اللاعب الفرنسي زين الدين زيدان نحو أصول أجداده وتكريمه من طرف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بحجة أنه شرف الجزائر بحمله الألوان الفرنسية ونيله كاس العالم وذلك في الوقت الذي يعاني فيه لاعبون آخرون في المستشفيات بعد أن شرفوا الجزائر بحملهم ألوان الخضر.
كل هذا يؤكد أن المغتربين سيكونون سلاحا ذو حدين بالنسبة للجزائر عموما
بقلم الأستاذ : نعمان عبد الغني