كيف أتقبل النقد..؟
النقد مثل شعلة محرك الطائرة التي بدونها لن تستطيع الطائرة أن تبرح مكانها... والإنسان بلا نقد لن يستطيع أن يسمو إلى العلا... إن الإنسان نسبي المعرفة، ضعيف غاية الضعف، وأن قوته في تقبله الحق من أي جهة كانت، وقبوله الصواب ولو كان مجحفا أو جارحا ومن فعل ذلك ارتقى إلى مصاف الخالدين والمبدعين والمجددين.
لكن وللأسف... العديد من الناس يجهض كل محاولة للنقد ويعتبر كل ملاحظة أو توجيه أو تصحيح إنما هو انتقاد أو تحطيم، بل ويعطيه مفهوم الكراهية، والبغض والحسد... والصدق في العمل يستوجب النقد المتواصل...
السؤال كيف أتقبل النقد بصدر رحب ...؟
أخي تخيل أنك دخلت إلى البيت مرهقا فنظرت في المرآة لتستقبل أمك أو زوجك أو أولادك ... بوجه نظيف طلق ... لكن رأيت آثار الوسخ بادية على وجهك ... هل يمكن أن تشتم هذه المرآة ... إذا ماذا عليك فعله ...؟ لديك طريقين تسلكها إما أن تكسر تلك المرآة التي أظهرت ما هو باد - حقيقة دون تصنع – أو تأخذ قطعة قماش تنظف وجهك وتمضي لهدفك المنشود... هذه عيوب خِلْقِيَّة ... لكن ما هي المرآة التي تظهر عيوبي الخُلقية... التي لا يمكن للمرآة العادية أن تظهرها لك ... لقد وجهنا خير البرية إلى الحل حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال «المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عنه ضيعته ويحوطه من ورائه» وشرحا للحديث ... من كتاب فيض القدير يقول مؤلفه «إن أحدكم مرآة أخيه أي هو بمنزلة المرآة التي يرى فيها ما به من شعث فيصلحه فإذا رأى به أي عيب بملبسه أو بنحو أذى أي قذرا كمخاط وبصاق وتراب فليمطه عنه أي فليزله عنه ... فإن بقاءه يشينه والظاهر أن المراد بالأذى الحسي والمعنوي أيضا فيشمل ما لو رأى بعرضه ما يشينه فيزيله عنه بإرشاده له ... ومعنى الحديث إن المؤمن في إراء عيب أخيه كالمرآة الحاكية لكل ما ارتسم فيها من الصور وإن دق فالمؤمن إذا نظر إلى أخيه استشف من وراءه أقواله وأفعاله»
أخي لو نبهك أخ مؤمن لعيب خلقي كتكبر أو كذب في الحديث أو... ما عليك سوى طريقتين السابقتين إما أن تكسر المرآة أو تنزع العيب الذي أظهرته لك المرآة (أخاك المؤمن) هل من المعقول أن تشتم أو تضرب أخاك لأنه أبدى لك عيبا ... إذ اعتقدت أن كسر المرآة الحقيقة التي تظهر أوساخك من قبل الأفعال غير العاقلين...ولقد عمد القرآن إلى نقد الرسول في عديد من الآيات كقوله تعالى« مَا كَانَ لِنَبِيءٍ اَنْ يَّكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الاَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الاَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» وقوله « عَبَسَ وَتَوَلَّى(1) أَن جَآءَهُ الاَعْمَى(2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى»
لا بأس أن نختم بهذا المقولة «قد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه رحم الله من أهدى إلي عيوبي تحبون أن تقولوا فيحتمل لكم، وأن قيل لكم مثل الذي قلتم غضبتم، تجدون على الناس فيما تنكرون من أمورهم، وتأتون مثل ذلك، أفلا تحبون أن يؤخذ عليكم، اتهموا رأيكم ورأي أهل زمانكم، وتثبتوا قبل أن تتكلموا، وتعلموا قبل أن تعملوا، فإنه يأتي زمان يشتبه فيه الحق والباطل، ويكون المعروف فيه منكرا، والمنكر فيه معروفا فمنكم مقترب إلى الله بما يباعده، ومتحبب إليه بما يبغضه عليه، قال الله تعالى «أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا» فعليكم بالوقوف في الشبهات حتى يبرز لكم الحق واضح بالبينة فإن الداخل فيما لا يعلم بغير علم آثم»
إلا أن الناقد يحتاج إلى بعض المبادئ عليه أن يتحلى بها:
* إخلاص النية لله.
* يحترم أخلاق الحوار، وأن يوظف عبارات وألفاظ لينة وواضحة
* يبتعد عن سوء الظن، وعن التعميم والأحكام المسبقة ما ستطاع إلى ذلك سبيلا..
* يقصد من نقده النفع والتصويب لا الضر والتجريح وأصعب النقد ممن هو دونك مثلا: الابن لأبيه والتلميذ لمعلمه ...
لذا على المنقود أن يخلص نيته لله ويحرص على:
* استجلاء سلبياته ونقاط ضعفه، أكثر من حرصه على إبراز إيجابياته ومحاسنه.
* يتعلم السماع إلى من ينقده، دون تعصب أو تشنج.ويعلم أن كل ملاحظة قيلت عنه هي فرصة للسمو لا تعوض، وهبة من السماء لا تشترى بمال الدنيا كلِّها.
وفي الأخير ما أحوجنا إلى تقبل النقد أفرادا وجماعات هيئات وجمعيات لنرقى في سلم الحضارة ورائدنا في ذلك المقولة« لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تقبلوها».
ياسين بن قاسم سليمان بوعصبانة
مدير مدرسة تاونزا العلمية
بن يزقن - غرداية
